موضوع: لبنان يستعد لموسم جني العسل الخريفي السبت نوفمبر 20, 2010 4:00 pm
عماد ملاح
في لبنان موسمان للعسل موسم الخريف وموسم الربيع، فالنحالون يفضلون القطاف الخريفي؛ لأنه يأتي بعد صيف طويل، غني بالثمار ومسبوق بربيع مثقل بالجني الزهري، لذا فإنهم يقطفون عسل النحل، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، ذاهبين إلى أن “عسل الخريف أطيب مذاقاً”.
العسل مادة حلوة المذاق تفرزها النحلة، وتضعها في الخلية بعد أن تقوم بجمعها من الأزهار. والعسل تركيب معقد يحتوي على 88 عنصراً أساسياً، والعسل المجني من الزهر لا يعتبر عسلاً إلا بعد تخمره في معدة النحلة؛ لأنه يختلط بالعديد من الخمائر المهمة، لذلك فهو من أنقى المواد الغذائية إطلاقاً وأكثرها تركيباً لمعظم العناصر الموجودة في الطبيعة، وبنسب يعجز عن تركيبها علم الكيمياء الحديث. لذا فالعسل ثروة للإنسان، وهو لا يقدر بثمن للاستشفاء والتغذية.
نهضة الستينيات
يقول رفيق أبوطرية، أحد أقطاب الحركة الناشطة لجمع النحالين في نطاق جمعيات تعاونية تعمل على تنظيم مهنة تربية النحل في لبنان، إن الطبيعة في جعله يشكل بيئة مثالية لتربية النحل، من حيث جودة المراعي التي تحتوي على الأزهار العاسلة المختلفة الأشكال والألوان، ومعظمها من الأعشاب الطبيعية بشهادة خبراء عالميين. وقد عرف لبنان تربية النحل منذ قديم الزمان، ولكنها ظلت تقليدية حتى عام 1933، ويومها شهد لبنان نهضة استمرت حتى أواسط الستينيات، لناحية تأهيل مربي النحل واكتساب المهارات الفنية، والتزود بما يلزم من العدة والتجهيزات اللازمة. ويفيد بأن موسم جني العسل الخريفي على الأبواب، حيث يصادف الشهرين المقبلين.
وعن الفرق بين الخلية القديمة والحديثة، يقول أبوطرية، إن الأولى هي عبارة عن وضع النحل في بيوت صنعت من القش أو جرار من الفخار، وهذه القفران لا تساعد على زيادة الإنتاج، بسبب صعوبة قطافها ومكافحة الأمراض التي تعترض تربية النحل. أما القفران الحديثة، فمن الممكن الكشف عليها باستمرار، وفحصها ووضع الأدوية لمكافحة الأوبئة، ومن السهل تطريدها أي استخراج أكثر من خلية من القفير الواحد.
أمراض ومعوقات
حول أهم الأمراض التي تصيب النحل، يقول أبوطرية أنها تكمن في آفة كانت تسمى “الفرواز” القاتلة، وهي اجتاحت لبنان سنة 1985، وكان عدد القفران حينها 70 ألف خلية، قضي على نصف هذا العدد، لا سيما، وأن النحالين يومها لم يكونوا قد تعرفوا بعد على هذه الآفة في لبنان، ولا على كيفية مكافحتها، وقدرت الخسائر بملايين الدولارات وقتها.
وعن العوائق التي تعترض تربية النحل في لبنان عديدة، يقول أبوطرية إنها تعود لارتفاع أسعار الأدوية لمكافحة الأمراض، ولغلاء تجهيزات ومستلزمات النحل، ولمشكلات التسويق، حيث يغرق السوق المحلي بالعسل الأجنبي، الذي هو في غالبيته عسل مصنّع، سحبت مواده الأساسية الشافية والمغذية، ولعدم وجود محطة لإنتاج ملكات النحل، المؤهلة لاستبدالها سنوياً مما يساعد على زيادة الإنتاج.
ويقول النحال أمين عيد: “أنا أفضل القفران القديمة مع أنها لا تنتج مثل الحديثة، إلا أنني استبشر بها، وخلال الفترة التي عشتها في تربية النحل لم أطعمها ولا مرة. ولقد اشتريت أول قفير بـ3 ليرات منذ أربعين سنة، والقفير أصبح اثنين بعد مرور سنة واحدة، ومن ثم بدأت الخلايا بالتكاثر واليوم أملك 16 خلية، ولولا المرض الذي أتى منذ خمس سنوات، لكنت أملك عدداً مضاعفاً”. و يستعرض عيد تركيبة خلية النحل، فيقول إنها تتألف من الملكة والعاملات والذكور. الملكة هي الأنثى التي تضع البيض، وتمتاز بطول حجمها، وتنشأ الملكة من بيضة ملقحة تفقس بعد ثلاثة أيام، لتصبح يرقة تتغذى بغذاء خاص يسمى “الهلام”، أو الغذاء الملكي، وتطير الملكة عندما يبلغ عمرها من 4 إلى 6 أيام، ويلي ذلك طيران الزفاف، حيث تتلقح في الهواء الطلق، فيموت الذكر وتعود هي إلى الخلية، لتمضي فيها أيام حياتها، وتضع الملكة نحو 2000 بيضة يومياً خاصة في الربيع والصيف.
أما النحلة العاملة وخلال ثلاثة أيام من عمرها، تقوم بتنظيف الخلايا وتغذية الحضنة، وعندما يبلغ عمرها ستة أيام، تبدأ بفرز الغذاء الملكي، وتستمر بذلك لعمر 12 يوماً، عندها تنمو غددها فتباشر ببناء الأقراص الشمعية وتخزين حبوب اللقاح، وعندما يبلغ عمر العاملة 21 يوماً، تبدأ العمل خارج الخلية وتشرع بجمع الرحيق. الذكور يكثر وجودها عادة في أيام الربيع والصيف، وتموت في الشتاء ووظيفتها الوحيدة هي تلقيح الملكة.
النحل سكن الأرض قبل 25 مليون سنة
منذ 12 ألف سنة، جنى الإنسان العسل من بيوت النحل، المتخذة في الصخور الجبلية وفي جذوع الأشجار المجوفة، ومع مرور الزمن بدأ الإنسان بتدجين النحل، فأنشأ المناحل البدائية ثم صنع الخلايا الطينية، أو خلايا القش المجدول مع القصب، أو الجرار الفخارية لإسكان النحل فيها. وتدل الحفريات على أن نحل العسل ظهر على الكرة الأرضية منذ 25 مليون سنة، وعثر العلماء على حشرات النحل المتحجرة في أوروبا.